المحافظة علي البيئة في المنظور الاسلامي ــ د. الشيخ ولد الزين ولد الامام
- صورة تخدم النص
لقد أصبحت قضية البيئة ومشكلاتها تشغل المفكرين والمثقفين والعلماء في العالم، بل أصبحت هم الجماهير من عامة الناس، لما سبب البشر بأفعالهم وتصرفاتهم من أضرار تلوث البيئة، مما أصبح له عوارض على صحة الإنسان والحيوان والنبات والماء، مما أدى إلى استنزاف الموارد الطبيعية واختلال التوازن البيئي في الكون.
وهذا ما جعل من الضروري بيان موقف الإسلام ومساهمته في حل المشكلات البيئية التي يعانيها العالم اليوم.
تعريف البيئة:
هي كل ما يحيط بالإنسان من جماد مثل السماوات، والأرض، والجبال، والوديان، والبحار، والتربة، وماء، وهواء، وغازات، وما يحيط بالإنسان من حيوان وأنعام وطيور ونبات وورود وخضرة.
أي البيئة الطبيعية والحياتية كما خلقها الله وسخرها للإنسان واستخلفه عليها.
إن عناصر ومكونات البيئة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: عناصر ومكونات طبيعية كالماء، والهواء، والأرض، والجبال، والوديان، والشمس، والقمر، والسماوات.
أما القسم الثاني: فهو البيئة الحية أو ما يطلق عليه الحياة الفطرية وتشمل الإنسان، والحيوان، والنبات.
ويستخدم الإنسان البيئة الطبيعية لحياته اليومية كاتخاذ البيوت واستخدام الماء الذي جعله الله حياة للناس والحيوان والنبات، ونتيجة لهذا الاستخدام للموارد الطبيعية في الحياة الصناعية والزراعية يترك مخلفات وملوثات للبيئة تضر بها .
وقد سبق الإسلام في التأكيد على حماية البيئة والمحافظة عليها وإنمائها قبل صدور التشريعات والأنظمة الحديثة والاتفاقيات الدولية للحفاظ على البيئة.
ولقد شرع الله في الكتاب والسنة ضوابط شرعية لحماية البيئة والمحافظة عليها وإنمائها ورعايتها فقال الله سبحانه تعالى: ]ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وأدعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين[ (الأعراف:51،
وقال تعالى: ]ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون[ (الروم:41.
وإنه لمن الجلي ورود العديد من الآيات الدالة على مدى الترابط بين الإنسان والكون]الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين” [السجدة:7.
وغاية الكون كله واحدة وهي العبادة ]ولله يسجد من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا” [الرعد:15).
.ولهذا نرى أن الإسلام يحرص ويحث على حماية البيئة فحمايتها تعد السبيل الأقوام للحفاظ على الإنسان، والخطوة الأولى في هذا السياق تمثلت في دعوة الإسلام إلى عدم الإسراف ومن ثم استنزاف الموارد الطبيعية وتبديدها] كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين” [البقرة: 60] ولا تطيعوا أمر المسرفين* الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون” [الشعراء:151-152)
وكذلك بقية العناصر الطبيعية من ماء وهواء، اللذين أولاهما الإسلام عناية كبرى، وسر ذلك كونهما عنصرين أساسيين يتوقف عليهما وجود الإنسان والنبات والحيوان واستمرار حياتهم]وجعلنا من الماء كل شيء حي” [الأنبياء: 30] “والله أنزل من السماء ماءً فأحيا بها الأرض بعد موتها” [النحل:65).
فكل شيء في الأرض موزون فإذا أخل الإنسان بعنصر من عناصر البيئة أثر على العناصر الأخرى قال الله سبحانه وتعالى: ]والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون[ (الحجر:19).
وقال تعالى: ]إن كل شيء خلقناه بقدر[
وقال تعالى: ]ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة [ (لقمان: 20)
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على حماية البيئة وليس أدل على ذلك من وصاياه التي أوصى بها جيشه في غزوة مؤتة وهو يتأهب للرحيل (لا تقتلن امرأة، ولا صغيرًا رضيعًا، ولا كبيرًا فانيًا، ولا تحرقن نخلاً، ولا تقلعن شجرا، لا تهدموا بيوتًا” (صحيح مسلم.
هذا في الحرب ومن باب أولى في السلم، حيث تزخر السنة النبوية بالدعوات المتكررة للحفاظ على البيئة؛ ومن ثم الحد من أثر الظواهر الطبيعية مثل: الانجراف والتصحر والجفاف؛ وفي هذا الإطار يقول الرسول الكريم r “ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان له صدقة” صحيح مسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إن قامت على أحدكم القيامة وفى يده فسيلة فليغرسها “
و عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله r مر بسعد وهو يتوضأ فقال: “ما هذا السرف؟” فقال: “أفي الوضوء إسراف؟” قال “نعم وإن كنت على نهر جارٍ” (سنن ابن ماجه).
وانسجاما مع هذه التوجه فقد سار أصحاب رسول الله r وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه على نفس الدرب حيث قال في وصيته لجيشه “لا تعقروا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة”.
ويمكن القول أن الإسلام قد نظم حماية البيئة والمحافظة عليها وتنميتها بما قرره من مبادئ تحكم التشريع الإسلامي والسياسة العامة في مجالات حماية البيئة مثل:
إحياء الموات بزراعته والاستصلاح.
2- الحمى مثل حمى النقيع للخيل وجمال الصدقة الذي أقره رسول الله rفي خارج المدينة المنورة.
3- تحديد الحرم في الأماكن المقدسة وذبح الحيوان والطيور في الصيد حول الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة ويحرم قطع النبات فيهما.
4- الحفاظ على المرافق العامة كالمياه والأنهار وغيرها من التلوث والاستخدام السيء.
5- الوقف الشرعي عن طريق الهبة والتبرع والوصية من أجل خدمة الصالح العام وحماية البيئة والمحافظة عليها وإنمائها مثل التبرع بأرض وجعلها حديقة عامة وبناء المساجد والمدارس ووقف العمائر لصالح هذا المرافق.
ومما تقدم يتبين لنا عناية الإسلام بالبيئة وأنه سبق المنظمات الدولية لحماية البيئة وإصدار الأنظمة والاتفاقيات المتعلقة بها.
فالشريعة الإسلامية مخزون ثقافي وشرعة ومنهاجاً للمسلمين في رعاية شؤون البيئة والحياة في الدين والدولة.
وما إصدار أنظمة وتشريعات البيئة والانضمام إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبيئة إلا تطبيقاً للشريعة الإسلامية التي تحث على المحافظة على البيئة ورعايتها بالحسنى والمحافظة عليها وإنمائها لخير الناس والحيوان.