أولا: يجب أن نفكك العنوان (دور المنابر الإسلامية في إشاعة ثقافة الحرية)
– ماذا نعني بالمنابر الإسلامية؟
سنعرفها بالتقسيم أو بالتمثيل فنعني بها المساجد و المحاظر عن طريق المحاضرات، والخطب الي غير ذلك.
ثم ما معنى ثقافة الحرية؟
ثقافة الحرية ماذا تعني؟ وهل نحن بحاجة إلى ذلك؟ هل الأمة الآن تحتاج إلى ثقافة حرية ؟، وهل هناك ثقافة أخرى تعاكس هذا المبدأ.
مفهوم المخالفة أن هناك ثقافة عبودية أو هناك ثقافة استبداد أو أن ثقافة لا وعي بالموضوع؟
أما مفهوم الحرية فإنه يمكن أن يفهم في سياقات متعددة متعلقة بالحضارة وبالدين
وبالتراث.
سنؤكد على أن موضوع الحرية هنا نعني به الحرية في مفهومها الإسلامي بضوابطها الإسلامية ليست الحرية المنفلتة ولا الحرية البهيمية التي عند الغرب.
ثقافة الحرية هذا الموضوع كذلك ليس أصلا من مواضيع الفقه ويطرح السؤال لماذا نأتي إلى الفقهاء فنحدثهم في موضوع لا علاقة لهم به؟
هذا السؤال مطروح جدا؟ وهذا السؤال أراني قد ألمحت فيه إلى جواب عن ما كان كلكم يتساءل عنه لكن لماذا لا يعنيكم هذا الموضوع ؟
والسؤال إذن سنعكسه. نحن عندنا توصيف في الموضوع أصلي هو أن هذا لا يعنيكم ولكن بقي سؤال آخر هو لماذا لا يعنيكم؟
هذا السؤال أظن أنه من المهم جيدا التفكير فيه لماذا لا يعنيكم موضوع ثقافة الحرية؟
الجواب قد لا يكون جاهزا عندكم جميعا لأنه من المفترض أن يكون الفقيه ملما بجميع ما يدور حوله، من المفترض أن يكون الفقيه يعرف الساحة التي يعطي فيها رأيه من المحتمل كذلك ومن الواجب كذلك أن يكون الفقيه هو أول مدافع عن حقوق الإنسان؟ لأنه كما يقول ابن القيم في كتابه أعلى الموقعين هو الموقع عن الله سبحانه وتعالى, فإذا كان الفقيه هو الموقع عن الله سبحانه وتعالى فكيف له أن يتفهم على حال الناس وهو لا يتعرف على طموحاتهم ولا على آمالهم ولا على ما يحسون به. إذن لا بد أن يتعرف على حال الأمة وعلى واقعها وحال أفرادها من خلال ذلك ينزل الأحكام الفقهية على واقع الناس.
إذن من هذه الناحية فإن عدم اهتمامكم به والتوصيف الذي قلناه في البدء أنه قد لا يعنيكم ليس على إطلاقه، إنما قد يعنيكم من ناحية وقد لا يعنيكم كذلك من ناحية أخرى، فمثلا قد لا يكون الفقيه رئيسا لمنظمة حقوقية تطالب بهذا الموضوع ولكنه مع ذلك يجب أن يكون مع الناس الذين يدعمون التوجه العام المتعلق بالحرية.
ثم إنه في هذا السياق ينبغي للفقيه كذلك أن يكون واعيا للزمان، الزمان الذي يعيش فيه لابد أن يكون واعيا له، قد يستغرب البعض أنه فيما يتعلق بالزمان لم يكن الفقهاء يتحدثون عنه.
كانوا يتحدثون عن المكان، ولذلك يحكمون الأعراف ولذلك يقول القرافي في الفروق لا ينبغي للفقيه أن يفتي في بلدة لا يعرف عرفها. ولذلك كما يقول النابغة الغلاوي في بوطليحيه:
فأحذر جمودك على ما في الكتب |
فيما جرى عرف به بل منه تب |
|
لأنه الضلال والإضلال |
وقد قد خلت من أهلها الأطلال |
إذن هذا متعلق بالمكان ولكنهم غاب عنهم أهمية الزمان . لقد غاب عنهم أنه حتى ولو ظل الفقيه في مكانه وتغير الزمان لا بد أن تتغير معه الفتوى، وهذا أظن أنه كان غائبا عن أذهان الفقهاء في ذلك الزمن . فتغير الزمان له أثر كبير في الأعراف .. نتذكر جميعا قولة عمر بن عبد العزيز( تَحدثُ للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور) هذه مقولة تؤسس لتغير الأحوال بتغير الزمان ولكنها مع ذلك لم تنعكس على ذهنية الفقهاء في كثير من فتاويهم، وأتذكر كذلك أن ابن أبي زيد القيرواني عندما أفتى بجواز اتخاذ الكلاب للحراسة، قالوا له كيف تقول ذلك ومالك كان يقول بمنع ذلك استدلالا بالحديث من (بات يحرسه كلب نقص من حسناته كل يوم قيراط)، أو كما قال صلي الله عليه وسلم فكيف تقول ذلك ومالك كان يستدل بهذا الحديث قال ابن أبي زيد القيرواني لو كان مالك حيا لاتخذ أسدا ضاريا.
إذن تغير الفتوى بتغير المكان والزمان لاشك أن له أثر كبير وينبغي إذن للفقهاء ان يكونوا على علم بزمانهم وعلم بمكانهم وعلم كذلك بواقع الحال الذي يعيشون فيه.
في موضوع الحرية: الحرية تفهم في المفهوم العام أنها تقابل العبودية لكن ليس الأمر كذلك، الحرية مفهوم أشمل من ذلك، لأن الحرية قد تفهم في مقابل الاستبداد مثلا و في مقابل الظلم وفي مقابل أشياء أخرى قد تكون مهمة وقد تكون الحرية تقابلها، إذن هي من الناحية الدلالية أعم من العبودية وإن كانت تقابلها في معني من معانيها،.
الآن يجب التساؤل هل الحرية مبدأ إسلامي؟ هل جاء الإسلام لهذا المعنى؟ لا بد ان نوصفها حتى نربطها بالدين أو نمنعها منه، لابد ان نوصفها توصيفا خاصا لكي نؤكد هل هي من الدين أم ليست منه؟
الحرية وصف يكون به المرء قادرا على فعل ما يشاء دون ضغط خارجي ودون ذلة لآخر وتكون علاقته بينه وبين ربه سبحانه وتعالى ؟ هل هذا التوصيف بهذا الشكل ينطبق على الإنسان في المنظور الإسلامي أم لا ينطبق عليه؟
أظن أنه من هذه الناحية ينطبق بالكلية على التصور الإسلامي للإنسان فالإنسان خليفة الله في أرضه والإنسان من حيث هو بصورة عامة ؟ لا نجد في الإسلام خطابا تكليفيا خاصا بجنس معين من الناس لا يتأتي في غيره , لا نجد في التكاليف الشرعية الإنسان إلا بمفهومه العام المستغرق.
التكليف الشرعية تتعلق بالإنسان عموما الإنسان بهذا الوصف لفظ عام والعام هو ما يستغرق الاصطلاح له دفعة واحدة من دون حصر. إذن الإنسان بهذا الشكل “الـ” هنا للاستغراق لا للعهد وعليه فإن الإنسان هنا لفظ عام يستغرق الصالح له دفعة واحدة، ما يصلح لماهية الإنسان .
إذن جميع التكاليف الشرعية تنطبق على الإنسان من حيث هو بغض النظر عن أصوله وعن لونه وعن لسانه وهذا يدل على أن التكاليف الشرعية نزلت من الله سبحانه وتعالى على الإنسان وهو ما يقابل بالمطلق بني آدم.
نلاحظ كذلك في هذا السياق أن الإنسان وردت في القرآن 56 مرة، كلمة الإنسان معرف بـ”ال” الاستغراقية لا “الـ” العهدية، وكلمة بني آدم 7 مرات، وكلمة البشر مرتين، وكلمة الناس وردت على ما يزيد على 172 مرة والناس كذلك من ألفاظ العموم، .
إذن وردت ألفاظ العموم وهي الناس وبني آدم والإنسان وهي أكثر الألفاظ دلالة على الإنسان من حيث هو إنسان بغض النظر عن حاله في جميع أطواره وفي جميع عوارضه.
نبين هذه الفكرة :الإنسان عنده ماهية وهو الحيوان الناطق هذه هي ماهية الإنسان من حيث الحد الجامع المانع الحيوانية والنطق. هذه هي الحد الجامع المانع للإنسان. هناك عوارض أخرى لهذه الصفة الطول والقصر، البياض والسواد، الصبوَة والكهولة، هذه عوارض لهذه الصفة، فإذن العوارض كلها متنحية ويبقى الأصل الذي هو من حيث ماهيته الذي هو الحيوان الناطق.
إذن التكاليف الشرعية جاءت متجهة في الأصل إلى الإنسان من حيث ماهيته لا من حيث عوارضه. تتجه للتكاليف الشرعية بهذا الشكل لمطلق الإنسان ولا تنتفي عنه التكاليف إلا في حالات عارضة .
ـ أصل المشروعية وواقع المشروعية
بالنسبة لموضوع العبودية أظن أنه من المهم بيان فكرتين أساسيتين هما : أصل المشروعية؛ وواقع المشروعية:
تحدث الأخوة عن أصل العبودية وقالوا إنها عارض كأعراض اللون، و كأعراض العمى، فهي عوارض، إذن فهي ليست صفة ملازمة للإنسان بما أنها صفة غير ملازمة لا يتجه إليها التكليف في الأصل و عندما يتجه إليها ففي نطاق مسقطات التكليف في بعض جوانبه، كما أن الأحكام الشرعية قد تكون عزيمة وقد يكون رخصة، كذلك فيما يتعلق بالعوارض قد تنطبق عليها بعض التكاليف ولكنها ليست أصلا في ذاتها.
ينبغي هنا أن نحاول التأسيس لفقه الحرية لماذا؟ ذلك لان الفقه انبنى في كثير من أبوابه على الأعراف وعليه فإنه إذا كان الشيخ محمد المامي في كتابه البادية قد حاول توطئة الفقه في البادية لان الفقه في الأصل كان فقها مدنيا، و كذلك إذا كان الفقهاء في زمن السيبة تحدثوا عن فقه عبودية ، فإن هذا لا يعني أن ذلك فقه دائم فنحن يجب أن نتحدث عن فقه آخر متعلق بفقه الحرية، لأن هذه عوارض كما قلنا ليست من ماهية الإنسان وإنما هي عوارض تنطبق عليها أحكام معينة في زمان معين فإذا انتفت تلك العوارض رجعت إلى الأصل وهو فقه الحرية،.
إذن ما هي معالم هذا الفقه الذي نحاول إشاعته ؟
هذا الفقه يتأسس على أصول كلية، ينبغي هنا التأكيد على أن الفقه لا يتأسس إلا على أصول وكذلك الفرعيات كلها مبنية على أصول، والأصول كما تعرفون جدا:
أصوله دلائل الإجمال |
وطرق الترجيح قيد تال |
|
وما للاجتهاد من شرط وضح |
ويطلق الأصل على ما قد رجح |
إذن الأصول كلية تتأسس على قضايا كلية. الأصول الفقهية لا ينبغي التنازع فيها، وهي قضايا ثابتة وفي حكم المسلمات، قضايا الأصول كلها قضايا مسلمات لا يتطرق إليها الإشكال.
بعكس الفروع الفقهية ولذلك اختلافات الفقهاء، اختلافات المذاهب الفقهية، إنما هي من باب عدم الاتفاق على الأصول، .
هذه الأصول التي نحاول إشاعتها تنبني على أصل لا خلاف عليه وهو أصل كرامة الإنسان: “ولقد كرمنا بني آدم” هذا لا خلاف عليه، هذا التكريم إذن لا بد أن تتفرع منه فروع، كيف نعطي أصلا ولا نعطي له فروعا، ما دمنا تأكدنا على الأصول الكلية وجعلناها أصولا لا بد أن نفرع لها تفريعات، فكلما وجدنا حادثة أو فرعا يمس بكرامة الإنسان، قلنا هذا الفرع لا ينطبق مع أصله، إذن هذا الفرع ليس في محله، كلما ينافي كرامة الإنسان من حيث هو نعتبره فرعا إن كان فرعا مفتى به فإذن لابد أن نحدده في زمانه أو مكانه، فنجعله عارضا لا أصلا، فإن جعلناه ثابتا دائما اعتبرناه أصلا.
إذن كرامة الإنسان من حيث هي لا يختلف عليها الناس، فكلما مس كرامة الإنسان من حيث هو نعتبره عرضا أو فرعية تنمحي عند انعدام مسبباتها أو أسبابها أو شروطها فإن انعدمت الشروط والموانع رجع الأصل إلى أصله،.
السجين يجوز أن يحبس لعارض وقع عليه ولكن هذا ليس أصلا، ولذلك لا يجوز أن يضرب المحبوس ولا يجوز أن يجوع ولا يجوز أن يترك عطشانا لأن عارض الحبس عارض وعندما نزيد عليه نكون قد زدنا في فرع في مقابل أصل.
هناك أصل آخر عند المالكية هو (الاستصحاب) بقاء ما كان على ما كان، ما دام الإنسان أصله مكرما وحرا فالأصل بقاء ما كان على ما كان، هذا أصل معروف في الأصول لا ينبغي المحاججة فيه.
كذلك هناك أصل آخر مهم جدا في هذا السياق وهو أصل المصالح المرسلة.
المصلحة المرسلة ما هي؟ هي المناسب الذي وجد له أصل كلي يشهد له، ولكنه في ذاته لم يوجد ما ينص عليه.
نحن هنا فما يتعلق بالحرية عندنا أصل جامع كلي يشهد له وهو أصل الحرية وكرامة الإنسان فإذا وجدنا ما ينطبق عليه ذلك أصلناه ورجعناه إلى أصله فيندمج الفرع مع الأصل فهذا الباب من المصلحة المرسلة وقد قال بها إمامنا مالك كما تعرفون في باب نقط المصحف وفي باب كتابة المصحف وتدوين الدواوين إلى غير ذلك.
أولى الناس في فقه الحرية هم المالكية، هناك أصل آخر مالكي كذلك في هذا السياق وهذا ما يؤكد أن المالكية هم أولى الناس في هذا الفقه، أولى الناس في فقه الحرية هم المالكية، هم أولى الناس بها لأن أصولهم كلها تدعو إلى هذا المنحى. انه سد الذرائع:
سد الذرائع ما هو؟ هو الحكم الشرعي المباح الذي يفضي إلى محرم فيمنع:
سد الذرائع إلى المحرم |
حتم كفتحها إلى المنحتم |
|
وبالكراهة وندب وردا |
وألغ إن يك الفساد أبعدا |