كثرة الإنجاب وأثره على معيشة الأسرة – الدكتور بلاب ولد حمزه
الإنجاب وظيفة فطرية أوجدها الله تعالي في كل الكائنات الحية للحفاظ على النوع والاستمرار في الحياة وترتبط لدى الإنسان بالكثير من الأبعاد ، العاطفية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية إلخ..
والإنسان لديه القدرة على التحكم في ممارستها حتى لا تصبح غريزة بدون ضوابط ـــ كما لدي الكائنات الحية الأخرى.
وقبل الحديث عن آثاره على معيشة الأسرة علىنا أن نجيب أولا على السؤال التالي :
ما هي الأسرة؟ وما هي طبيعتها ؟ وما هي أدوارها ؟ وما هي مسؤولياتها ؟
الأسرة هي اللبنة الأولي في البناء الاجتماعي وهي أيضا ظاهرة اجتماعية قديمة قدم الإنسان على هذه الأرض منذ عهد آدم وحواء علىهما السلام وإلى أن يرث الله الأرض ومن علىها وهي كذلك مجتمع مصغر يمكن من خلاله فهم طبيعة المجتمع القائمة فيه لأنها تشكل وحدة بناء تؤثر في المجتمع وتتأثر به.
ولا نبالغ إذا قلنا أن معظم المشاكل الاجتماعية وحلولها جد مرتبطة بالمواقف الأسرية حيث لا يمكن أن نبحث في المشاكل الاجتماعية إلا إذا رجعنا إلي الأسرة وإلي مواقفها ودورها وطبيعتها , وقد مرت الأسرة بعدد من مراحل التطور سواء في شكلها أو حجمها أو وظائفها وكان من الطبيعي أن تختلف آثار وظيفة الأسرة بحسب مرحلة تطور المجتمع فقد كانت للأسرة آثار كبيرة حينما كانت الأسرة كبيرة وقبل قيام الدولة المعاصرة فقد كانت لها آثار تربوية واقتصادية وسياسية كبيرة ومع ظهور الدولة وسيطرتها على وسائل توجيه الرأي العام انخفض دور الأسرة إلى حد ما وانخفض تأثيرها والكل يعلم أن مجمعنا التقليدي كان يتفاخر بكمية أعداد أفراد الأسرة حيث كانت الخيمة لكبيرة لا تعبر فقط عن شرف مكانتها بل تعني حجم أعضائها أيضا .
فأهل الزراعة يتفاخرون بكثرة السواعد وأهل التنمية كذلك يرون أنه لا باس في كثيرة أعداد أفراد الأسرة لأن أسباب العيش متوفرة ولا تحتاج إلى كبيرعناء,ومع سنوات الجفاف وارتفاع نسبة الفقر أصبح الوضع يختلف وتغيرت الظروف فلا بد إذن من البحث عن الحلول.
وإذ كانت هناك بعض الدراسات التي تنذر بزوال الأسرة وانتهاء دورها كما يحدث الآن في بعض دول أوروبا و آسيا فنحن مع الذين يبشرون بأن الأسرة باقية بالرغم من كل المحاولات التي تريد أن تهمش أدوارها لأن فناء الأسرة مرهون بفناء القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة والجدير بالذكر أن هناك أصوات كثيرة تدعوا إلى العودة إلى الحفاظ على الأسرة ودراسة وتحليل كافة المشاكل التي تعترضها.
والحقيقة هي أنه لا يوجد تشريع أرضي ولا سماوي دافع عن الأسرة ووضع لها مقومات وضوابط مثل ما فعل الدين الإسلامي ورسوله علىه أفضل الصلاة والسلام حيث أبرز تأثير الأسرة على الفرد بشكل جلي عندما قال صلى الله علىه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه ‘‘ ومن المعروف أن الإسلام قد أولى الأسرة عناية كبيرة بدءا باختيار الزوج لزوجته وتربية الأبناء ورعايتهم وتأهيلهم للقيام بدورهم في الحياة.
فالأسرة مسئولة إذا عن سلوك أفراده سواء كان سلوكا إجراميا أو كان سلوكا سويا وقد استطاعت الأسرة المسلمة بما لديها من آثار الإسلام وأخلاقياته أن تبث كثيرا من القيم الإيجابية التي يدعو إليها الإسلام ويحض علىها وقد بدت آثار ذلك في انخفاض معدلات الجريمة في الدول العربية والإسلامية بالمقارنة مع مثيلاتها في العالم الغربي الذي عمد منذ فترة على الانسلاخ من روابط الأسرة وضوابطها ومقوماتها ،الأمر الذي أدى بالناس إلى عدم الاطمئنان على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وصدق الله العظيم القائل في محكم كتابه :،،ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة،،
يظهر اهتمام الإسلام بالطفل حتى قبل أن يولد فقد حث الإسلام على اختيار الزوجة التي ستكون أما لطفل المستقبل لأنها المسئولة الأولى عن تربيته وتنشئته فإذا حملت المرأة وضع لها حقوقا وسن لها أحكاما من شأنها أن توفر للجنين أسباب الأمن وهو في بطن أمه فالحامل و المرضعة تفطران وتقضيان وتطعمان وقد قال النبي صلى الله علىه
وسلم ‘‘ أن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل و المرضعة الصوم.
وحسب بعض الدارسين من أمثال الروسي نابيبرو Napibro فأن للأسرة سبع وظائف أساسية ينبغي أن تقوم بها:
-
الإنتاج الاقتصادي والمادي والخدمات الأساسية .
2- إعطاء الفرد مكانة اجتماعية .
3- تربية الصغار.
4- تنمية الاتجاه الديني عند الصغار .
5- الحماية.
6- تحديد النشاط.
7- الحب.
وعلى الرغم من أنه يمكن حماية ورعاية الطفل عن طريق المؤسسات الاجتماعية الأخرى إلا أن حماية ورعاية الأسرة أكثر فعالية في المجتمعات العربية الإسلامية حيث نجد أن وظيفة الأسرة تمتد لتصل إلى روح الإنسان فتوجهها الوجهة السليمة التي تتفق مع فطرته التي فطره الله علىها وإذا اتفق التوجيه الأسري مع فطرة الإنسان أدى ذلك إلى صلاح الفرد باستقامته وأمنه النفسي والاجتماعي وبذلك فإن وظيفة الأسرة في الإسلام إضافة إلى ما تقدم تعتبر المنبع الذي يغذي الطفل بالعقيدة الصحيحة والفكر المشتق من القرآن والسنة النبوية .
وقد بينت بعض الدراسات أن للحرمان من الأم أو الأب أو هما معًا له آثار سلبية جدًا على شخصية الطفل لتشمل مجالات أساسية هي :
-
الجوع الوجداني .
-
الشخصية عديمة المودة ذات الميول العدوانية .
-
الانطوائية والاكتئاب .
وقد توصلت الدراسات إلى بعض النتائج المهمة نذكر منها ما يلي :
-
أن خبرات الانفصال لفترة قصيرة واحدة التي تحدث في جو أسري صحي لا تترك آثارًا
دائمة بل إن آثارها تزول بسرعة على الرغم من أنه من المحتمل أن تترك في الشخص آثارا المستقبلية.
-
أن الحرمان الشديد الطويل الذي يبدأ مبكرًا في السنة الأولى من الحياة والذي يستمر لفترة تصل إلى ثلاث سنوات يؤدي إلى نقص شديد في الجوانب العقلية وجوانب الشخصية المختلفة وهذا النقص يبدو أنه غير قابل للشفاء .بينما الحرمان الذي يبدأ في السنة الثانية من الحياة يؤدي إلى آثار جسيمة في نمو الشخصية وآثاره تصعب إزالتها
-
أن الطفل أقل قدرة على تحمل نتائج الانفصال قبل بلوغه سن الخامسة .
-
أن الآثار المترتبة على الحرمان أو الانفصال تتفاوت بتفاوت الخبرة وطبيعتها وطولها ومدتها ولعلنا ندرك بعد ذلك أهمية وجود الأسرة وتربية الأحداث في جو أسري مستقر .
ذلك أن للشخصيات غير السوية للآباء مباشر على شخصية البناء من حيث كونها سوية أو غير سوية .
آثار كثرة الإنجاب على معيشة الأسرة:
إن استخدام وسائل تنظيم الأسرة مازال متدنيا في بلادنا ويتأثر بعوامل كثيرة اجتماعية واقتصا دية وعقدية وغيرها .
والاستفادة من الوسائل المتاحة في هذا الصدد لها فوائد كبيرة على الأسرة وبالذات المرأة والطفل من أجل الحفاظ على صحتهما ،لان كثرة الإنجاب فيها خطورة على صحة الأم والطفل معا ، وبالتالي فينبغي على الكل الاستفادة من الوسائل المتاحة في المراكز الصحية حتى لا ينجب الرجل عددًا من الأطفال لا يقدر على رعايتهم وتوفير الخدمات الأساسية لهم وهم لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا على هذه الأرض بدون إرادتهم .
إن تنظيم الأسرة أصبح أمرًا ضروريًا في ظل الوضع الذي يعيشه المجتمع حاليًا،حيث تعتبر زيادة عدد السكان سببا للعديد من المشكلات ,فالأسرة التي تعاني من زيادة في عدد الأطفال من المؤكد أنها تعاني جملة من المشاكل اقتصادية وصحية وتعلىمية وغيرها ،فهي على عكس من الأسرة التي لديها طفلان أو ثلاثة فان حالها المعيشي أحسن بكثير ،وغالبًا ما يحصل الأطفال فيها على حقوقهم من حيث الرعاية والتغذية والحصة ، ومن هذا المنطلق يجب أن يعرف الناس أن تنظيم الأسرة له فوائد كثيرة صحية واقتصادية واجتماعية وبالتالي لابد من خلق وعي لدى الجميع بأهمية تنظيم الأسرة .
إذا عرف الشخص أن كثرة العيال مشكلة خصوصًا في الوضع الذي تعيشه الآن فانه بلا شك سيتجه إلى ممارسة تنظيم الأسرة، لكن الكثير من الناس تسيطر علىهم العادات والتقاليد وربما الإشاعات غير الصحيحة بان تنظيم الأسرة يسبب مشاكل وغير ذلك من الأمور الأخرى ، وهذا غلط ونقص في المعلومات.
فالشخص الذي لديه عيالا كثيرا يعاني من مشاكل اقتصادية وأسرية خصوصا إذا كان من محدودي الدخل فلنتذكر قصة الرجل الذي ذبح أبناءه ليلة العيد لأنه لم يجد من النقود ما يسمح لهم بشراء ملابس لهم ، هكذا يجب أن يفهم الكل بأننا بحاجة كبيرة في بلادنا لممارسة تنظيم الأسرة لخفض معدل النمو السكاني الكبير الذي يشكل حجر عثرة أمام مختلف جوانب التنمية ويؤثر على المستوى الاقتصادي والمعيشي لكثير من الأسر في بلادنا.
إن كثرة الأطفال تجعلهم يعيشون في قلق دائم وطلبات كثيرة وبالتالي فإن ممارسة تنظيم الأسرة والمباعدة بين المواليد له فوائد وآثار ايجابية على الأسرة ، فالشخص إذا خلف طفلين أو ثلاثة يكون قادرًا على توفير متطلباتهم وقادرًا على تربيتهم تربية جيدة ، ويكون أحسن من الشخص الذي يخلف عددًا كبيرا من الأطفال ولا يقدر على تربيتهم وتوفير احتياجاتهم وهذا ناتج عن عدم إدراك البعض لأهمية تنظيم الأسرة وفوائدها
وتنظيم الأسرة يعني قيام الزوجين بالتراضي بينهما وبدون إكراه باستخدام وسيلة مشروعة ومأمونة لتأجيل الحمل أو تعجيله بما يناسب ظروفهما الصحية والاجتماعية
والاقتصادية بما يحقق للأسرة السعادة والصحة وله فوائد كثيرة للأسرة والمجتمع وتتمثل فيما يلي:
أولا: الفوائد الصحية:
-1 تقليل الوفيات والأمراض التي تنهك الأمهات والأطفال.
-2 الوقاية من الحمل غير المرغوب ومخاطره.
-3 المحافظة على حماية الأطفال الجسمانية والنفسية.
-4 تحسين صحة الآباء (بزيادة فرص الراحة والرفاهية)
-5 تحسين الحالة الغذائية لدى الأمهات والأطفال
-6 منع الحمل في حالة وجود أمراض وراثية معروفة في العائلــــة.
ثانيًا : الفوائد الاقتصادية والاجتماعية
-1 تحسين حالة الأسرة المادية
-2 زيادة رفاهية الأسرة.
-3 زيادة فرص العمل المتاحة.
-4 عدم تشتت الثروة.
-5 تقدم المجتمع ورفاهيته.
-6 المحافظة على وضع الموارد والبيئة والتخفيف من استهلاكها .
وانطلاقا مما سبق ، ومن أجل أن تلعب الأسرة دورها الكامل في إعداد الأجيال إعدادا
سليما فلابد لها من استخدام وسائل تنظيم الأسرة كحل وسط.
وعلىنا في الختام أن نتذكر أن كل “اكرين أكدح ما يزك امعاه اطعام” وأن آفة الفقير في ظهره.
(وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا)