التقرير الختامي للندوة العلمية (احترام المال العام ومحاربة الفساد من منظور أسلامي)
نظمت وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي بالتعاون مع رابطة العلماء الموريتانيين ندوة علمية تحت عنوان: احترام المال العام ومحاربة الفساد والرشوة من منظور إسلامي في قصر المؤتمرات يومي 3و4 /09/2014م ، وذلك تحت إشراف معالي وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، وحضور وزير العدل ووزير المالية، والأمين العام لرابطة العلماء الموريتانيين وشخصيات علمية مهمة وعدد كبير من المهتمين بالشأن الإسلامي في البلاد.
افتتحت الندوة بتلاوة آيات من الذكر الحكيم من القارئ محمد ولد الشيخ الفائز بمسابقة القرآن الكريم التي نظمتها الرابطة، ثم تلى ذلك كلمة للأمين العام للرابطة الشيخ حمدا ولد التاه، الذي رحب بالحضور الكريم ووضع الموضوع في إطاره الإسلامي وأنه يأتي بمناسبة التوجيهات السامية لرئيس الجمهورية الرامية إلى محاربة الفساد والرشوة، وبين خطورة الرشوة واعتبرها من أكبر المعاصي ونبه على أن اختلاس المال العام هو الغلول الذي جعل (الشملة) تشتعل على صاحب خيبر؛ وفي نهاية كلمته تمنى الأمين العام أن تكون مواضيع الندوة مفيدة للجميع.
أعقبت كلمة الأمين العام كلمة معالي وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الاصلي السيد أحمد ولد أهل داود، الذي ثمن الندوة وموضوعها الذي يتنزل طبقا لتوجيهات رئيس الجمهورية، وسياسة معالي الوزير الأول، ثم شرح مخاطر الرشوة واختلاس المال العام وآثاره السلبية على حياة الناس، وما أعد الله لصاحبه في الأخرة من العذاب، واستطرد النصوص الدالة على ذلك من الكتاب والسنة، ثم أعلن رسميا افتتاح الندوة المباركة متمنيا للمشاركين التوفيق.
وبعد انسحاب الرسميين توالت الجلسات على النحو التالي:
أولا: الجلسة العلمية الأولى برئاسة الدكتور لمرابط ولد محمد الأمين، قدم فيها الشيخ العلامة أحمد بن النين محاضرة تحت عنوان ( حرمة اختلاس المال العام)، وأوضح فيها بأن الإسلام دين نظام، و ينظم العلاقات في المجتمع على أساس الإصلاح، ويحرم الظلم بكل أشكاله ومنه أكل أموال الناس بالباطل، ونبّه على الأحاديث التي تبين خطورة اختلاس المال العام مثل حديث: (لا تزول قدما عبد على الصراط حتى يسأل عن أربع، منها ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه)، وأكد حرمة أكل المال العام لأنه ظلم لكل أفراد المجتمع فقيره وضعيفه ويتيمه ومريضه، وحذر من أكل أموال الناس بغير طيب نفس، (لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفس)، وذكر بالأمانة التي أبت السماوات والأرض والجبال عن حملها وحملها الإنسان، وأن الأمانة في الإسلام تعني المحافظة على كل الشرائع، وبين قيمة وعزة الأمانة وحقارة وذل الخيانة، ودعا المسلم أن يحرص على التكسب بالحلال وأداء الأمانة ( أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)، ونصح المسؤولين بالتزام الأمانة، والزهد عن المال العام، وضرب الأمثلة على عقوبة الغلول وهو اختلاس المال العام، مبينا أن تبعات المال العام أخطر من كل التبعات يوم القيامة.
ثانيا: الجلسة العلمية الثانية برئاسة الدكتور لمرابط ولد محمد الأمين، قدم فيها الدكتور اسلم ولد سيد المصطف محاضرة بعنوان (الرشوة ودورها في فساد المجتمع)،عرف في بدايتها الرشوة بأنها المصانعة لإبطال الحق وإحقاق الباطل، وبين أضرار الرشوة على المجتمع وأن قبول الرشوة يضع المرتشي أسيرا للراشي، ويفتح عليه بابا واسعا منالمفاسد، وساق النصوص من الكتاب والسنة المؤكدة لحرمة الرشوة وخطورتها على الفرد والمجتمع، ( لعن الله الراشي والمرتشي والرائش )، وبين أن من الرشوة هبة المسؤولين وأشار إلى أن البخاري بوب في صحيحه ( باب هدايا العمال ) وأورد حديث: (ما بال عامل نستعمله فيقول هذا لي وهذا لكم، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟)، وأكد على ضرورة تفتيش المسؤولين وقد بوب البخاري( باب محاسبة الإمام لعماله)، وعلامات الرشوة بادية في ثراء العمال، وتدني الخدمات العامة، واستثنى الهدية التي لا ترتبط بالشأن العام ما لم يقصد بها غرض فاسد مثل إهداء المفتي ومعلم القرآن، واعتبر هدايا المعلمين والأساتذة اليوم ضرب من الرشوة لأنهم يؤدون الحق العام، واستثنى من الرشوة المحرمة الرشوة الصورية المدفوعة للظلمة لتحصيل حق لا يحصل إلا بذلك، ويكون الذنب على المرتشي، ولكن الضرورة تقدر بقدرها، لأن الدوام على ذلك يفتح أبوابا خطيرة من الفساد، وأوضح أن الرشوة جريمة مركبة، جعل الاسلام عقوبتها كعقوبة الغصب تعزيرية باجتهاد السلطان.
ثالثا: الجلسة الثالثة برئاسة الشيخ الإمام محمد الأمين ولد امحود، قدم فيها الأستاذ بون عمر لي محاضرة بعنوان: (دور التربية في تقويم سلوك الفرد تجاه الدولة)، بين فيها أن التربية هي تأهيل الصفات الفطرية المودعة في الإنسان (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه )، وأشار إلى أن البداوة وحداثة الدولة والنظرة السلبية إلى دولة المستعمرة أمور تستوجب جهودا مكثفة من المؤسسات التربوية لتصحيح التصورات وإحياء فقه الأحكام السلطانية وتقويم المسلكيات تجاه الدولة، والغرض من كل الوسائط التربوية (الأسرة، المدرسة، المساجد، الأندية، …) هو إعداد مواطنين صالحين للمساهمة في بناء أمتهم، وأشاد بدور المحظرة في إمداد دولة الاستقلال بالأطر المثقفة التي ساهمت في التأسيس، وذكر أن الدولة تنتظر من المؤسسات التربوية غرس القيم الفاضلة في الناشئة ليقوموا بمسؤولياتهم تجاه دولتهم.
وأوضح أن على مؤسساتنا التربوية أن تغرس في نفوس الناشئة المعاني الإيمانية، والطاعة والصدق في الولاء لوطنهم واحترام سيادة وهوية دولتهم، باعتبار الطاعة فريضة دينية، وضرورة مدنية، وضرب مثلا في احترام رموز وسيادة الدولة بجعفر ابن أبي طالب في غزوة مؤتة، حين أخذ الراية بيمينه فقاتل حتى قطعت، فأخذها بشماله فقاتل حتى قطعت، فاحتضنها بين يديه حتى استشهد رضي الله عنه، كما أكد أن على مؤسساتنا أن يغرسوا في النفوس المحافظة على المال العام، ومحاربة الفساد و كراهية الرشوة والتنفير من جميع أشكال الفساد، كما يلزم ترسيخ الإيمان بالوحدة الوطنية، ورفض أي مساس بها، واجتناب ما ينغصها، وللعلماء والأئمة دور أساسي في المحاضر والمساجد في ترسيخ القيم المدنية التي رتبها الإسلام في حياة المجتمع باحترام النظام العام وتقديم المصلحة العامة والتوازن في أخذ الحقوق وأداء الواجبات، والتزام حدود المسؤولية (وألا ننازع الأمر أهله),
وفي اليوم الثاني: كانت الجلسات على النحو التالي:
الجلسة الرابعة: برئاسة الأستاذ بون عمر لي، قدم فيها الدكتور بلال ولد حمزة محاضرة تحت عنوان(دور الشفافية، وترشيد المال العام في دعم الوحدة الوطنية )، بدأ المحاضر بتعريف الشفافية وأن مفهومها يحيل إلى الوضوح وعدم الغموض في السلوك والممارسات العامة، إن الشفافية الإدارية تساهم في زيادة درجة الثقة بالمؤسسات وعامليها، وقد سجل المحاضر السبق للنظام الإسلامي في ترشيد الإنفاق ومحاربة التبذير والإسراف إلى أن جعل المبذر من إخوان الشياطين، ثم عدد مقومات أساسية تحقق قيم الشفافية، وأشار إلى بعض العقبات التي تعيق الشفافية، ثم شرح معاني التهميش، وإن حصل ذلك فلن يبقى هناك مسوغ لدعاة التفرقة، وسيكون له أثر إيجابي في تعزيز الوحدة الوطنية.
الجلسة الخامسة برئاسة الشيخ الإمام محمد الأمين ولد الحسن، قدم فيها الشيخ أحمد فال ولد صالح محاضرة بعنوان: (دور الإمام في ترشيد المجتمع)، تناول فيها تعريف الإمام بوظيفته الدينية والاجتماعية، واستعرض الصفات التي ينبغي أن يتصف بها الإمام كالعلم، والصدق وهو أخص من الإخلاص والعفة، والوعي، والصبر، وبدون هذه الصفات لا يمكن له أن يؤدي واجبه في ترشيد المجتمع، أما الترشيد فهو التوجيه إلى طريق الرشاد بأمانة، وأشار إلى حديث حذيفة بن اليمان عن الأمانة ليؤكد على أهميتها في وظيفة الترشيد، وضرب أمثلة على العواقب الوخيمة المترتبة على خيانة الأمانة والغلول وسوء تسيير المسؤولية، وأوضح أن مسؤولية الإمام كبيرة في تغيير العقليات وتوجيه الطبقات السياسية والإدارية نحو التجدد والإصلاح، وللأئمة قدوة حسنة من إمام الأئمة صلى الله عليه وسلم، واعطى نماذج الإصلاح والتواضع والترشيد في جيل الصحابة الكرام الذين تخرجوا من المدرسة النبوية، وأخيرا قدم مقترحات تساعد على علاج ظاهر الفساد والرشوة، وختم حديثه بضرورة اهتمام الإمام في توجيهه بإثارة مشاعر الخوف من عذاب الله، وتقبيح صورة المفسدين، وتشنيع أعمالهم أمام الناس اقتداء في كل ذلك بالأسلوب النبوي الحكيم.
الجلسة السادسة وترأسها الدكتور الشيخ ولد الزين، قدم فيها العلامة حمدا ولد التاه محاضرة بعنوان: (الوساطة وأثرها السلبي على مسار التنمية)، بدأ عرضه بتعريف الوساطة وقسمها إلى وساطة بسيطة وهي القرابة والمصاهرة والحزبية والجهوية، ووساطة مركبة وهي سلسلة من العلاقات يوصل بعضها إلى بعض ثم يتحرك الطلب حاملا شحنة من العاطفة العمياء فيترتب على ذلك قرارات غير مبررة مبنية على الوجاهة والنفعية الشخصية الضيقة، فيحدث الخلل في جميع مجالات التنمية، وتضيع المسؤولية والأمانة، وتشيع الرشوة الشغارية، وأكد أن حكم الوساطة حكم ما تؤول اليه الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة، وأن الشفاعة لا تدخل في حدود الله لحديث: (أقيلوا لذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود)، وأخيرا دعا إلى أهمية تعزيز النزاهة بتوفير الحقوق وتحسين ظروف العمل والعاملين، واقترح إنشاء جائزة للنزاهة، وختم الشيخ محاضرته بحكاية قصيدة قالها في السبعينات في محاربة الرشوة.
وقد أشفعت العروض بمناقشات ساهمت في إثراء المواضيع التي تضمنتها الندوة، وتقديم مقترحات وتوصيات تعزز ثقافة احترام المال العام و محاربة الفساد والرشوة منها:
تكثيف ندوات توجيهية لمختلف مستويات المسؤولين الماليين والإداريين.
سن قوانين صارمة رادعة للفساد والمفسدين.
تعزيز الرقابة والتفتيش في النزاهة المالية والشفافية الإدارية.